الاثنين، 3 يناير 2011

العلم والتكنولوجيا







التكنولوجيا ...

لعله كان مقالا بسيطا تناولته من كتاب للدكتور فؤاد زكريا بعدما ابهرني بكل ما فيه ووجدت ضالتي و سعيت فيه لتوضيح معان كثيرة لكلمة التكنولوجيا ودورها فى العلم  وتوضيح دور العلم واندماجه مع التكنولوجيا .. في تلبية حاجات البشرية .

فالتكنولوجيا عند كثير من الناس لها رنينا حديثا يجعلهم يظنون ان العالم لم يعرف التكنولوجيا الا في عصر قريب وإنها تتمثل فى المخترعات الحديثة والراقية وخاصة ما ظهرت فى القرن العشرين .
ولكن الحقيقة ان الشيء الوحيد الحديث فى كل هذا  هو اللفظ نفسه " تكنولوجيا "
ومن الخطأ ان نربط بين التكنولوجيا والخترعات الحديثة فقط .  لأن كل هذه المخترعات ما هي الا مجرد مرحلة لخطوات لا تنتهي ولا يمكن ان تكون المرحلة الاخيرة  التي ترضي اشباع  حاجات البشرية .

وللتكنولوجيا معان  ترتبط بما يطرأ على عقل الانسان فلها معان في التطبيق العلمي .  فالعلم معرفة نظرية والتكنولوجية ماهي الا تجسيد لهذا العلم  . اي ان لولا العلم ما كانت التكنوجيا .  وهو ايضا تعريف يشوبه النقصان لأن التكنولوجيا  قد ظهرت منذ البدايات  وانها لم تكن مرتكزة معظم الوقت على العلم .

ومعنا اخر يعتبر التكنولوجية ماهي الا وسيلة تستخدم فى العمل البشري . فمنذ اقدم العصور كان الانسان يستعين بأدوات تساعده فى عمله وهي ادوات تستحق اسم التكنولوجيا . كتهذيب قطعة من الحجر او المعدن وربطها بقطعة خشبية واستخدامها فأسا لتقليب الارض او لقطع الاشجار هو ايضا نوع من التكنولوجيا .

اذن فكل ما يستخدمه الانسان ويسعين به للقيام بأعماله بالاضافة لقواه الجسمية يستحق كلمة تكنولوجيا .
وهكذا واخيرا نصل لمعنى اخر للتكنولوجيا : فهي كل ما يستعين به الانسان لتكمله ما ينقصه من القوى والقدرات.

حاجات المجتمع ...   وهناك مثل شهير اعتدنا على قوله  وهو " الحاجة ام الاختراع " .. بالفعل فالحاجة ام الاختراع لأن لولاها ما اخترع الانسان ولا ابدع ما يريد ان يخفف عنه ويوصله لأشباع حاجاته .

وقصدي من هذا الكلام ان ما توصل اليه الانسان  لا بد ان يكون متناسبا لعصره ..  ومع احتياجات المجتمع وقتها .. آي ان هناك ارتباط وثيق بين التكنولوجيا في آي عصر وبين حاجات المجتمع .


وبالجمع اخيرا بين كل هذه العناصر نتمكن من تعريف  التكنولوجيا بنظره اوسع " وهي الادوات او الوسائل التي تستخدم لأغراض علمية تطبيقية , والتي يستعين بها الانسان فى عمله لإكمال قواه وقدراته , وتلبية الحاجات التي تظهر في إطار الظروف الاجتماعية ومرحلته التاريخية الخاصة ...

** مع توضيح ان  لفظ التكنولوجيا هو لفظ مركب  كما فى "  السكولوجيا و الجيولوجيا ...




*************************************************

كيفية الربط بين العلم والتكنولوجيا في جميع العصور .. ؟

ان النظرة البسيطة والعامة  للتطور التكنولوجي تعطي الاقناع بإن الربط بين العلم والتكنولوجيا حديث العهد . ولكن لو دققنا فيما سبق ذكره فى السطور السابقة ستجد ان التكنولوجيا ظاهرة موغلة فى القدم فإنها كانت طوال هذا الجزء الاكبر من التاريخ تسير على  نحو مستقل عن العلم . وتتطور دون ان تكون معتمدة عليه ..



فكل ما توصل له الانسان منكشوف واختراعات فى العصور القديمة قد تحققت بمعزل 


عن العلم . كالعصر الحجري او البرونزي والعصر الحديدي . وهذه مراحل تعبر عن 


واقع ومستوي التطور التكنولوجي لكل عصر .


ففي العصر الحجري كانت اهم الادوات المستخدمة لمساعدة الانسان في عمله 


مصنوعه من الحجر . ثم تطورت لأستخدام الحديد وهكذا ...  وكل هذا لم يدين للعلم 


بأي شيء بل كانت مجرد تطور صناعي عادي




فالذين قاموا بكل هذا التطور لم يكونوا علماء . ولم يدروسوا نظرات علميه وهكذا 


ولكن ماهم الا" صناع مهرة"توارثوا خبرتهم جيل بعد جيل واضافوا اليها من تجاربهم 


الخاصة فتطورت صناعتهم ببطء شديد بما جعل الانتفال من عصر لعصر يستغرق 


الاف السنين . وايضا لم يكن مبدأ الدراسة هو المتحكم فى عملهم . بل كان مبدأ 


المحاولة هو ما يميز ما وصولوا له . فتاره تنجح محاولاتهم فتصبح منتقله من جيل 


الى جيل او ان تفشل .




وهكذا كشوف حاسمة على ذلك من صناعة الخزف والناسيج والعجلة والسفينة تم 


تحققها على نحو مستقل تماما عن العلم .



  فمثلا فى العصر اليوناني القديم , الذي تطورت فيه التكنولوجيا في بعض الميادين 


ولكنها ظلت منفصله عن العلم الذي كان يعتبر فى العصر اليوناني جهد نظري بحت 


يستهدف الى ارضاء حب الاستطلاع لدى الانسان ولا يتجه للواقع العملى ... وايضا 


ففي العصور الوسطي والاسلامية لم يكن هناك اساس علمي للتكنولوجيا . فأختراع 


البارود الذي كان له تأثيره فى الحروب والطباعة التي غيرت معالم الثقافة ونشر 


المعرفة كل هذه الصناعات كانت مجرد بداية على آيدي صناع مهرة .لا يسترشدون فى 


عملهم نظرية علمية ..



ولو شئنا القول بالاعتراف بإن التكنولوجيا هي ما اثرت فى العلم طوال الفترة 


والعصور السابقة . بل  كانت تستخدم ايضا فى خدمة العلم .


فالصناعة التي قام بها صانع ماهر  الان تخدم العالم فى دراسته . فمثلا صناعة القلم 


يقوم بها عامل عادي ولكنه بهذه الصناعة يخدم الكثير من طلبة العلم ويسهل لهم 


امور شتى .

والتلسكوب الذي تم على أيدي صناع بارعيين فى صقل العدسات . لم يكن لديهم خبرة 


علمية كافية .. هم الان يساعدون علماء آخرين على كشف عالم الاحياء الصغيرة 


والدقيقة .


وفي بدايات القرن السابع عشر بدأ ينبثق العلم يتحكم فى هذا التطور التكنولوجي  ليكن 

افضل مما عليه . حتى وصل لما نحن فيه في عصرنا الحالي بحيث اصبح التفكير 

والدراسة فى استخدام العلم لأغراض تكنلوجية اصبح وثيق وهام بحيث لا تترك 

الكشوف التكنولوجية لبراعة الصانع الشخصية او تدريبه الفعال وإنما تعتمد على 

نظرية علمية مؤكدة .

وكان ممن وضع بداية الفكر ورائد فى هذا الميدان هو الفيلسوف الانجليزي " فرانسس 

بيكن " حيث دعا إلى نوع جديد من العلم . يكون هدفه تحقيق سيطرة الانسان على 

الطبيعة . وتسخير قواها لخدمته . وصحيح ان دعوة بيكن كانت قد ظهرت فى اواخر 

القرن السادس عشر وأوائل تقريبا . لم تؤت ثمارها كاملة فى وقتها الا بعد قرنين او 

اكثر من وفاته . ولكنها كانت نقطة الانطلاق نحو عصر وعهد جديد ...  تدين فيه 

التكنولوجيا للعلم وليس العكس .


وقد كانت دعوة بيكن هي السبب الذي حفز الانجليز على انشاء الجمعية الملكية للعلوم 

وكانت الابحاث العلمية تحتل مكانة بارزة .. حيث وجد الحل لكثير من المشاكل ومن 

بينها وجد العديد من المشاكل التي وجد لها الحل المناسب والعلمي . في صناعة 

التعدين والملاحة البحرية  والتجارة .



وهكذا استطاع فكر بيكن ان يذيب الفارق بين التكنولوجيا والعلم وان يكشف اتجاهات 

المستقبل .


وكان هذا  هو سبب فى انهيار الاقطاع فى اوربا وظهمر المجتمع التجاري الرأسمالي .. 

الذي اصبح له احتياجاته التكنولوجية الرهيبة ..

وهكذا تدخل البحث العلمي والمعرفة لتطوير التكنولوجيا ولتلبية حاجات المجتمع 

الجديد والعصر الجديد . 

وهكذا اطلق على فرانسيس بيكن " فيلسوف الثورة الصناعية "

وكما قلنا  فقد كان لابد من مضى فترة انتقالية منذ دعوة فيلسوف الثورة الصناعية " 

بيكن " الى الوقت الذي تحقق فيه التلاحم بين العلم والتكنولوجيا .. وخلال هذه الفترة 

بدأ في الظهور نوع جديد من التخصصات يحتل موقعا وسط بين العلم العملي وبين 

العلم النظري ...

بين العالم.... وبين الصانع ....

فكانت المهن الجديدة كمهنة المهندس  والذي كان لم يكن معروفا من قبل . فالمهندس 

" مهنة حديثة النشأة ولم تظهر الا فى العصر الحديث .. العصر الذي اضطر فيه الى 


الجمع بين دراسات وابحاث العالم واكتشافاته وبين العامل او الصانع الماهر ..


فالمهندس كانت ربطة وحلقة الوصل بين هذا وذاك ...  صاحب العلم " العالم "... 


وبين مطبق " العامل " هذا العلم على ارض الواقع .




** فمثلا مقاول البناء  يملك العمل  وخبرة البناء ولكن لا يملك الرسم الهندسي المناسب . وهو ما يقوم به المهندس المدني فى رسم وتخطيط البناء .. ولكن المهندس احتاج لنظريات العالم وقوانينه لتحديد الابعاد وغيره  من اجل ان يتم البناء سليم . 

وعلى يد هؤلاء المهندسين حدثت فى عصر الثورة الصناعية تلك التحولات الكبرى 


التي غيرت وجه العالم الحديث : فحلت الطاقة البخارية محل الطاقة الحيوانية " جهد 


الحيوان " وساتخدم الفحم وقودا للمصانع واصبحت صناعة الغسيل والنسيج تقوم فى 


مصانع ضخمة بأنتاج كبير . لا في ورش فردية وصغيرة .

الوقت اللازم لمرحلة الانقتال ...

اقصد من كلامي هذا ان البحوث التي لها طبيعية نظرية خالصة تتحول فى اقصر وقت 


الى تطبيقات انتاجية .

فالمسافة الانتاجية بين ظهور البحث النظري واكتشاف تطبيقاته العلمية   تضاءلت الى 


ابعد الحدود  مقارنة  بالعصور السابقة والتي كان يستغرق فيها الانتقال والتحول من 


مجرد نظرية الى واقع عملي فترة طويلة لتدخل فى مجال الانتاج .

فمثلا فالفترة من 1820 الى 1876  كانت هي الفترة اللازمة والتي احتاجها .....  لكي 


يتوصل الى اختراع التليفون .  والفترة من 1948 الي 1953  كانت الفترة المناسبة  


للقنبلة الذرية . وهكذا ..

 وتحول الصراع بسلاح العلم والتكنولوجيا رهين الوقت والسرعة ..  فمن يكتشف 


اكتشافا حديثا الان فى عصرنا هذا يسابق الاخر .. وهكذا ..

وكان اكبر مثل على هذا والذي دخل فيه العالم فى سباق رهيب هو الطاقة النووية الان 


وما نجده منها بلا دراسة من مخاطر تهدد البشرية . رغم ان كل الدول الان تتسارع 


على استخدام هذه الطاقة بأسرع وقت لتحصن نفسها وتكن كغيرها  .

لعل المثل الاتي يكن اوضح واشمل .

فمثلا كان العالم يتصارع  لأنتاج القنبلة الذرية قبل ان يتوصل لهذا السلاح الفتاك 


فيصبح اداة الاحلام لدكتاتور مجنون مثل هتلر .

بل ان المشكلة في بعض الاحيان بعد تدخل الهدف الربحي والتجاري فى الكثيرمن 


الصناعات هو اكبر ما يمثل الخطر على المجتمع .. فمثلا لأنتاج عقار طبي معين .. 


اصبحت شركات الادوية تتصارع من اجل نتاج عقار لم يصل لها غيرها من الشركات 


الاخرى لتقوم ببيعه وتحقيق الربح .. بلا اجراء الاختبرات والفحوص اللازمة 


والتجارب المؤكدة لصلاحية هذه العقاقير ... وهو ما اصبحنا نراه الان نتيجة للتسرع 


ولادة الاطفال المشوهيين او عدد كبير من التوأم غير المرغوب فيهم .. وهلم جرا ...

وما نراه الان هو تطور يشهد تداخلا وترابط وثيق بين العلم والتكنولوجيا .. زالت 


معها الحواجز الزمنية التي كانت هي الفاصل في القرن الماضي .

وهذا التحالف القوي والوثيق بين العلم والتكنولوجيا هو ما اكسبنا تقدما هائل 


ومتسارع للأمام ولا نعرف اين نهايته ..  وسبحان الله والحمد لله الذي وهبنا كل هذا القدر فى عقل صغير  قد لا يتعدي حجمه قبضه اليد . 





محمد السيد محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق